أن يكون المرء شغوفاً بالأفراد الموجودة في حياته، بالأحداث وبتحقيق المساعي هو أمر جميل، فيأتي الشغف من أعمق الرغبات والحدس. وفي الحقيقة، فهو يشجعك على القيام بالأشياء ويمنعك من فقدان الأمل عندما تتعرض لخيبات أملٍ أو فشل. ودون الشغف، سيتحول كل شيء إلى عملٍ شاق ليس له أي جدوى أو طعم وبالتالي سيفقد الشخص أي إحساس بالنجاح والإنجاز. في المقابل، عندما يتعلق الأمر باتخاذ القرارات المهمة، يعتبر الشغف فخاً مميتاً. إن القدرة على المحافظة على طريقة تفكير منطقية وثابتة أساسية في حال كنت تسعى لأن تكون رجل أعمال ناجح، لكن التكلم أسهل بكثير من التنفيذ. قد تشعر بالشغف تجاه أمرٍ ما في وقتٍ غير مناسب تماماً، من هنا وقبل الغوص في المنافسة العملية، من الضروري كبح مشاعرك والسيطرة عليها.

لماذا تكون القرارات المبنية على المشاعر مغرية جداً؟ إن جزء الدماغ الذي يتحكم بالمشاعر قريب من العمود الفقري وتعتبر هذه المنطقة فطرية وشديدة الإحساس. ولمعلوماتكم، فإن الإنسان والحيوان يتشاركان في هذا الأمر، وبعكس المنطقة العليا من الدماغ والتي تؤثر على الذكاء واتخاذ القرارات وتحديد الأمور، فإن الأحاسيس تأتي من اللاوعي وبالتالي لا يمكن التحكم بها. وإلى جانب ذلك، تعتبر المشاعر عوامل تتمتع بقوة فائقة، وهنا نذكر "جرائم الشغف" على سبيل المثال، حيث يكون المرء مغموراً بالمشاعر التي تسيطر على منطقه وإدراكه لفترةٍ معينة، فيتصرف بطريقة غير واعية وبناءً على ما تفرضه مشاعره.

ما هي القرارات التي تؤخذ في العمل والتي تكون مبنية على المشاعر؟ يمكن لهذه القرارات أخذ أشكال عدة في العمل وغالباً ما تكون مؤذية لنمو العمل. ومن الأمثلة: • توظيف الأفراد بناءً على الألفة: يجب توظيف فرداً يتناسب مع الوظيفة المطلوبة، حيث يجب أن يتمتع بالقدرات والشخصية الملائمة. لكن وللأسف، فإن الكثير من أرباب العمل يوظفون أفراد في مناصب لا تلائمهم لمجرد أنهم من العائلة أو الأصدقاء، حيث يؤمنون بأنهم سيتمكنون من تحقيق أي شيء بطريقةٍ ما. وفي الحقيقة، وبالرغم من الشعور بأنه يجب عليك تأمين وظيفة لقريبك في شركتك، تأكد من أن قدراته مناسبة لنمو الشركة لأن عكس ذلك قد يؤدي إلى المشاكل في العمل وحتى تدمير العلاقة التي سعيت للمحافظة عليها. • التنبؤ بالنتائج المستقبلية بناءً على المشاعر الحالية. هناك أسبابٍ عدة وراء خسارة المرء في سوق الأسهم، فبدلاً من القيام بدراساتٍ عن الوضع المالي لأي شركة، سيأخذ قرارات بناءً على حدس وسيستثمر كل أمواله في شركة لا يعرف عنها إلا الأمور البديهية. قد يحدث الأمر نفسه في عالم الأعمال، حيث قد يفقد رجال الأعمال الإدراك بما يجري حقيقةً لحساب أحلامهم المستقبلية. إن الظروف الحالية مؤشر على المستقبل، وقد اكتشف الكثير من الأفراد ذلك بعد المرور بصعوباتٍ شديدة. • اتخاذ قرارات تعكس التحيز. في الحقيقة، كل شخص متحيز وهذه من طبيعة الإنسان. في العمل، لا يمكن إلغاء التحيزات ولكن يمكن تقليصها، ولكن قد نجد أن الكثير من رجال الأعمال لا يعملون من الأساس على التخفيف من تحيزهم، الأمر الذي سيؤثر على قدراتهم في اتخاذ القرارات وبالتالي نشر نمط عمل لا يتوافق إلا مع آرائهم الشخصية. ويعرف هذا النمط بـ"التوجه نحو إشباع الذات"، حيث تصبح المخاوف غير المنطقية ورغبات الشخص حقيقة وذك لأنه قام بشكلٍ غير متعمد على هندسة الأمور للوصول إلى هدفٍ معين.

ما هو البديل؟ بدلاً من اتخاذ القرارات بالاستناد على المشاعر، من المفضل استخدام قرارات مستندة على بيانات محددة والتي تتطلب منك التخلي عن مشاعرك واستخدام بيانات علمية تخدم مصالحك حيث تكون مبنية على أسسٍ موضوعية بعيدة كل البعد عن الأحاسيس الشخصية. من المهم معرفة أنه من المفضل استخدام بيانات خارجية لتقييم الأوضاع، سواء أكانت إحصاءات، دراسات وغيرها، وذلك لأن استخدام بياناتٍ داخلية قد توقظ مشاعرك وبالتالي قد تؤدي إلى اتخاذ قرارات غير موضوعية مبنية على العواطف. وعندما يتم جمع البيانات، يمكن دراسة الأوضاع والبدء في تنبؤ المستقبل. على سبيل المثال، إن القيام بإحصاءٍ أمر مفيد جداً لدراسة مستوى فعالية أي منتج جديد واكتشاف كيف يتقبله المستهلك. ومن شأن هذا الأمر تحقيق نتائج أكثر دقةً لأن التغييرات التي سيتم تنفيذها ستكون مبنية على تعليقات المستهلكين. في المقابل، عند إجراء تغييرات التي نشعر بأنه يجب القيام بها، لا يمكننا معرفة النتيجة التي ستؤول إليها هذه التغييرات وقد تهدد مستقبل العمل.

الخلاصة في النهاية، إن الإنسان ليس رجل آلي ولكن هناك بعض الأوقات حيث يجب على الإنسان تنفيذ أعماله مثل الرجل الآلي وتعتبر عملية أخذ القرارات العملية من هذه الأوقات. لا يجب السماح للشغف بأن يؤثر على قراراتنا وبخاصةٍ إذا كانت الشركة على المحك. وكلما كنت تستطيع السيطرة على مشاعرك، كلما أصبح عقلك قادراً على اتخاذ قرارات منطقية وصعبة وهذا أمر مهم جداً لأن الأمر قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات قاسية لن يتحملها سوى رجال أعمال الذين تمكنوا من التفريق بين أحاسيسهم والعمل.