يتمتع بعض الأفراد بصفاتٍ تسمح لهم بالتميز بعملهم والاختلاف عن المديرين التنفيذيين العاديين، بخاصةٍ في ما يتعلق بتطوير استراتيجية عمل ناجحة، تسعى للارتقاء بمستوى الشركة. وبالفعل، فإن التفكير المبتكر أصبح سمة الشركات الناجحة، بغض النظر عما إذا كانت تستكشف حدود المؤسسة الاقتصادية الجديدة، أو تتكيف مع ظروف السوق المتغيرة، أو تدخل إلى أسواقٍ جديدة. قلة هم رجال الأعمال الذين يعكسون هذه الحقيقة، ومن أفضل من الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، السيد ناتيا ماديلا، الذي يوضح السياسة الكامنة وراء نجاحها، والتي يمكن تطبيقها على كل الشركات.

صفحة بيضاء هناك بعض العلامات التجارية المحددة التي تعتبر رمزية كمايكروسوفت، التي أطلقت منذ أكثر من 4 عقود، والتي كانت تهدف إلى رؤية أنظمتها مشغلة على كل أجهزة الكمبيوتر في كل شركة وبيت. ومن الواضح أن مجموعة منتجاتها وأنظمتها احتلت بالفعل معظم العالم، ما يشير إلى نجاحها بقوة. من هنا، كيف تستمر الشركة بالنجاح؟ كونها من الشركات القديمة بعض الشيء، فكانت الأخيرة تواجه خطر التفكير بطريقةٍ قصيرة المدى، والتي يقع بفخها العديد من الشركات الناضجة. وبدلاً من الاكتفاء بالنجاحات والإنجازات القديمة، قام ناديلا، الذي وصل إلى رأس شركة مايكروسوفت في العام 2014، بتطوير نظرة الشركة. وكونه المدير الثالث للشركة فقط، وخلال 41 سنة، واتباعاً لخطوات بيل غايتس وستيف بالمر، فإن ناديلا التحق بالشركة منذ عام 1992 وأمضى الكثير من السنوات وهو يهتم بعمليات الشركة المتعلقة بنظام السحابة أو ما يعرف بالـ “Cloud”. ومع بروز تقنيات جديدة مع مرور السنوات، والتي اندرجت من آبل إلى غوغل وآمازون، رأى قائد هذه الصناعة ضعف في أسهم الشركة، فوجد حلول مبتكرة لإعادة تقوية نفوذ علامة مايكروسوفت الموثوقة.

تغيير زاوية النجاح كونه قائداً في هذه الصناعة، كان من السهل التماشي مع ثقافة تهيمن عليها نظرة التفكير الجماعي. ولعل التغيير الأول الذي حصل تحت قيادة ناديلا، كان من التحديات الأولى لطرق العمل التي كانت معتمدة في الشركة حينذاك، فالتفكير خارج الصندوق أصبح المعيار المعتمد الجديد، وأصبح مفهوم "التعلم الجماعي" أهم بكثير من مفهوم "معرفة كل شيء". وقد أصبح التفكير المنفتح شعار الشركة الجديد، بدءاً من مجلس الإدارة وصولاً إلى مجموعة الموظفين الذين يتجمعون حول مبرد المياه. فعند القبول بفكرة أنه يوجد دائماً شيء جديد لنتعلمه، فسنعترف بفكرة جيدة في النهاية عندما تتحقق.

المعالم المهمة منذ توليه منصب الرئيس في مايكروسوفت قبل عامين، قام ساتيا ناديلا بإنجازاتٍ مثيرة للاهتمام، وبخاصةٍ في ما يتعلق بطرق الإشراف على الشركة بما في ذلك عوامل مترابطة مثل الإدارة والتوجيه، الاستراتيجية، وتطوير المنتجات.

فلسفة الإدارة في عالمٍ تهم فيه الكلمات والأفعال، أدخل ناديلا نظام إدارة لا يسلط فيه الأهمية على تعلم مفاهيم جديدة والتكيف في نظام عمل جديد فحسب، لكنه يشدد أيضاً على إرادة مشاركة هذه الأفكار ضمن بيئة لتبادل الآراء. ومنذ أيام طفولته، حينما كان يلعب الكريكت في الهند، تعلم ناديلا أن أفضل ما يخدم الفريق هو التعاون والتقارب لتحقيق الهدف الواحد، والذي، في سياق مايكروسوفت، يعني خلق فريق إدارة يعمل بسلاسة وبكفاءة.

تغيير الاستراتيجية بالإضافة إلى المذكور سابقاً بأن الشركة توجهت نحو تجربة جديدة تعتمد على نظام السحابة، فإن ناديلا ركز أيضاً على تغييرات استراتيجية مرنة، بخاصةٍ في ما يخص استخدامات العميل والتخطيط العملي. وتماشياً مع ذلك، وتحت إدارة ساتيا، قامت الشركة بإعادة الاعتماد على تقنية التجميع، وإعادة بروز نظام Office 365 هو مثالاً كبيراً عن التوجهات الجديدة للشركة والتي اعتمدها صناع القرارات.

تطوير المنتج اعتمدت سياسة تطوير المنتج على إعادة إنعاش منصات مايكروسوفت الأساسية والتي تشمل Office, Azure وWindows. وبدمج هذه المنصات الثلاث الأساسية، يسعى فريق التصميم الخاص بالشركة إلى إنتاج منصة كاملة يمكن أن يعتمد عليها مطوري المنتجات والبرامج والأجهزة، بالإضافة إلى المشغل العادي.

الكلمة الأخيرة حول النجاح الأهم من ذلك كله هو أن سر نجاحات ساتيا ناديلا هو بأنه اعترف بالأخطار الكامنة في الغطرسة والتي لا تعالج إلا بالتواضع، فالبقاء في الطليعة يعني أن كل عضو من أعضاء الفريق عليه أن يكون متنبهاً عندما يتعلق الأمر بالإقرار بأنه لا يمكن معرفة كل شيء، ولا يزال هناك المزيد لتعلمه في كل يومٍ جديد.